قبل الخلق.. وبعده


 قبل الخلق.. وبعده

 ·       قبل الخلق :
    كنت أهيم فى فضاءات عشقك.. أطوف بالمجرات أسائل كل الشموس والأقمار باحثة عنك.. لثمت خد الشعاع.. راقصت الضوء سنوات.. فجرت كل الجداول.. سرى وجدى فيها فحملت كل القلوب بعشقى.. وهاج السنا ورحل يفتش عنك فى رحاب الليالى وخلف الزهور.. فى عين القمر
تنفست السوسنات نشوة وشقشق الطير فوق الغصون.. أشاروا إليك ووشوا بك.. داعب النسيم أعطافى وألقى إليك لؤلؤة هربت من جفنى إليك.. فسكبت روض قصيدك سحرا يفيض علىّ.. انتشى العود نغمة ترف إليك، رفيف الفراش، تحوم كالضوء حولك.. فقلت : كونى عروسا تزف إلىّ .
خفضت الريح أهدابها فوق الجناح حملتنى إليك كزنبقة الفجر فى نورها بثوب طرزته الشمس بخيط القمر.. وغفا الجفن المسهد ليلة وحلم اللقاء فوق الشفاة .

·       عند الخلق :
    هللت على قلبى الجريح بنظرة.. قفز الهوى من بين الضلوع متدلها فى محرابك.. من ثغرك الباسم رشفت أيامى.. ووقفت فى صفاء عينيك أتأمل عودى وطرفك يبدى نظرة رضا، يهتز لها الوجود سكرانا.. وجلست مع العاشقات أسرف فى النجوى و أنت تختال فوق الغصن تستلهم من عذابنا ألحانك : وحى الهوى فى عين نجوى، والعذاب فى عين سلوى، والغدير من عين هند .
وأنا أسكب الدمع على طنين الغيرة فى الضلوع، عققت الهوى.. هجرت النعيم.. ضللت الطريق.. أشعلت النار فى مضجعى .
أوصدت دونك محرابى.. أرخيت جفنى الحزين يردد :
عذراء الفؤاد يقتلها الوله .

·       لحظة عمر :
    أى القرابين تطلب للعفو؟ الروح.. أم ترنيمة سر الكون !! أى الكنوز تشتهى فىّ.. الجسد، أم موجة نور تنساب فيك . ضاع صوتى على أعتاب وكر هواك، وأنت ساجد لأحلامك بقطف جميع الزهور، تسبحن بعدد نثار أيامهن لهفا عليك . وأنت كشارد من طيف حلمك.. فى ومضة للروح خاطفة، تحس شوقا غريبا إلىّ.. يرف نبضك باحثا عنى وتسمع شدوى تعود إلىّ.. تقص على مسامعى.. كم هاج حزنك ندما علىّ تقول : معك عف الهوى وعرف السهر طريقه إلى مقلتىّ.. فأنت شدو الوجيب.. محوت بثغرك " شقاوة " قلب تطاول يوما على البراءة.. قلب نسى مما لقى كيف يسمو ليعشق طهرا يسبى المشاعر.
أنت.. ضوء من فرحته لاح نشوان لكل البشر، أنت.. سرفى قلبى بكل الحروف.. بكل اسماء البشر، أنت ملهمتى، رففت بخلدى كطيف يحمل عنى آلام أسفارى على كل ثغر.
قربانى لروحى هالة نور ونار وعطر زكى.. تعالى إلىّ.. ستنسابين سحرا فى دمى.. مددت يدى فهاجت مسامع الأخريات، رفعن الستار.. عن غادر أشر.. ورحت بلا زورق أنساب موجة صغيرة لعل البحار تقبلنى أنشودة صمت، ضاع منها العمر كزبدها الطافى فوق شواطئ الغدر .
·       الخروج :
    طوتنى الأنواء فى غيب اللجج ..سكبت روحى على كل الموانئ.. وهو يهفو من غصن لغصن، ولم يستمع إلى خفقتى التى حملتها إليه نسائم العدم.. ونبضة أخرى تصلى وتركع فوق الغصون على راهبة العشق والهوى . وعدت من جديد خيال ندى تسبح بين كلماته شوقا ساميا، ويخفى رغم طنين الغوانى لحنا فى الخيال شاديا.. يهمس يهمس بين خلجات نفسه: هيا خذنى لأسبح فى لجتك القاصية . لكنه نسى أننى على كل الموانئ موزعة .

·       العودة :
    رويدا.. رويدا عودى إلى: خفقات وجد من سناك، أوجعنى رحيلك، لهفى عليك.. فارفعى الحجب بيننا ودعينى أصطفيك.. لا نساء غيرك بعد اليوم.. لا لحظ سوى لحظك.. أسدلت الستار على حكاياتى القديمة.. وهدمت وكر ملذاتى .
حبيبتى هيا اسمعى نغما ينوح من ضلوعى.. يصرخ ملء فضاء الروح.. يرتل اسمك. عودى كالنبع يروى جفاف مشاعرى،  لهفان أنا إلى خلد هواك.. لم يبق مما رأيت قديما سوى آهة مجنونة تستبق الطريق إليك. ضمنى الهجير بين كفيه.. بطيفك استظل فهل على وجعى تبسطين ضياءك، وهل تعود إلىّ أغاريد حبى ؟ أجيبينى !!
أطرقت كالفجر فى ظلال صمت حزين.. طرحت كل الشجون، وعدت إليه ننمق كل المروج.. نعلم السحر فنون الغرام، ونسجن الأحزان فى قبو بعيد، ونرقص على صخب المشاعر بجنون.. له خلقت وله أعود .